إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

العودة إلى الجذور

بيانات صحفية

العودة إلى الجذور

لم يقم ألبيرتو كماسترا في أي مكان آخر غير دمشق. ولكن مع اقتراب الحرب في سوريا إلى المنطقة التي كان يقيم فيها، قدمت له أصول جده الذي توفي منذ زمن بعيد الفرصة للنجاة.
19 أغسطس 2015
55df00036.jpg
صور لعائلة كماسترا التُقطت في دمشق في فترات أكثر سلاماً وسعادة.

لم يقم ألبيرتو كماسترا في أي مكان آخر غير دمشق. ولكن مع اقتراب الحرب في سوريا إلى المنطقة التي كان يقيم فيها، قدمت له أصول جده الذي توفي منذ زمن بعيد الفرصة للنجاة.

بقلم دانيال سيلاس أدامسون في 7 أغسطس/آب 2015

قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وقعت شابة من تشيكوسلوفاكيا في حب جندي إيطالي في جزيرة صقلية. تزوجت هيلين وألفونسو في كاتانيا، بلدة ألفونسو، حيث حملت بطفل-أصبح واحداً من الملايين الذين بدأت حياتهم في الفوضى والنزوح من الحرب.

ولأسباب دُفنت أو نُسيت منذ ذلك الحين، غادرت هيلين صقلية قبل ولادة الطفل؛ سافرت إلى سوريا حيث كان يعيش شقيقها عن طريق البحر، وأنجبت طفلها عام 1945. لم يعرف هذا الطفل والده قط، ولم يتعلّم اللغة الإيطالية ولم تطأ قدمه الأراضي الإيطالية على الإطلاق، ولكن أُطلق عليه اسم إيطالي - جوسيبي كماسترا- وتم تسجيله في دمشق كمواطن إيطالي.

وبعد سبعين عاماً، أصبحت الأصول الإيطالية شريان الحياة بالنسبة إلى أولاد جوسيبي وأحفاده.

في ربيع عام 2011، ومع انتشار الاضطرابات في سوريا، تلقى ألبيرتو، ابن جوسيبي، اتصالاً من السفارة الإيطالية وسئِل: هل تريد الرحيل من البلاد؟

55df00c56.jpg
صورة لألبيرتو وعائلته. قرر جميع البالغين إظهار ظهورهم فقط خوفاً من الانتقام من عائلاتهم التي لا تزال في سوريا.

تلقى كل مواطن إيطالي في سوريا هذا الاتصال. وورد اسم عائلة كماسترا على القائمة لأن ألبيرتو لا يزال مدرجاً كمواطن إيطالي بعد عقود على مغادرة والده صقلية قبل ولادته.

ولكن سوريا هي البلد الوحيد الذي عرفه، وذهابه إلى إيطاليا عنى أن يصبح لاجئاً.

"شعرت بالخوف. فأنا في الخامسة والأربعين ولا أعرف اللغة الإيطالية. أين سنعيش في إيطاليا؟ ربما سينتهي بنا الأمر في الشارع؟ اتصلوا بي على مدى ثلاثة أعوام ولكنني أجبت دائماً بالرفض".

ولكن بحلول صيف عام 2014 تغيرت الأمور.

اقترب القصف وإطلاق النار من المنطقة التي كانوا يقيمون فيها، بحيث أصبح أطفال ألبيرتو الصغار عاجزين عن النوم بسبب الخوف. "مرت ثلاثة أيام لم يتوقف فيها ابني عن البكاء، وشعرت زوجتي بالخوف. لذا وافقت على الرحيل؛ فحتى لو انتهى بنا الأمر في الشارع، سيكون الوضع أفضل مما هو عليه اليوم".

كان أفراد العائلة آخر الإيطاليين الذين يغادرون البلاد.

"شعرت بالخوف. فأنا في الخامسة والأربعين ولا أعرف اللغة الإيطالية. أين سنعيش في إيطاليا؟ ربما سينتهي بنا الأمر في الشارع؟"

وبعد عام على مغادرة عائة كماسترا البلد، التقيت ألبيرتو في أحد المقاهي في شوارع كاتانيا. بدا على وجهه تعب الأعوام القليلة الماضية.

55df010c6.jpg
ابنتا ألبيرتو تستريحان على شرفة شقتهم في كاتانيا.

باع ما تمكّن من بيعه في سوريا، وأحضر زوجته ووالدته وأولاده الأربعة إلى بيروت بسيارة أجرة ومن ثم إلى روما على متن الطائرة. كان اللاجئون السوريون الآخرون في إيطاليا يتوجهون شمالاً نحو ألمانيا حيث يتم قبول مئات آلاف طلبات اللجوء كل عام، ولكن ألبيرتو توجه بالقطار جنوباً نحو صقلية وعاد إلى المدينة التي تزوج فيها جداه.

قد تكون كاتانيا المدينة التي ينحدر منها جده، ولكن لا شيء آخر يربط ألبيرتو بهذا المكان. ففي سوريا كان معيل العائلة. أما هنا، وبما أنه لا يجيد الإيطالية، فكافح لإيجاد مكان آمن ينام فيه أطفاله. وأخبرني قائلاً: "لو كنت بمفردي لنمت في أي مكان حتى في الحديقة. لكن مع الأطفال..."

أمضوا بضع ليالٍ في فندق رخيص ثم في غرفة غير مفروشة وغير مزودة بالمياه أو الكهرباء. وأخيراً، اقترض ألبيرتو ما استطاع اقتراضه من عائلة زوجته في سوريا ودفع إيجار شقة على عام كامل. وما هي إلا فترة قصيرة حتى تعرض لنوبة قلبية.

على الرغم من ضغوط الحرب، لا يزال ألبيرتو مضيافاً وقد دعاني إلى منزله الواقع على الطرف الغربي من المدينة للتعرف إلى عائلته.

55df017f6.jpg
شجرة عائلة كماسترا؛ سيرة العودة من سوريا إلى صقلية.

فتحت رينا، والدة ألبيرتو، الباب محاطةً بأحفادها الفرحين وأرتني المكان. كانت الشقة واقعة في بناء سكني قديم يعود إلى ستينيات القرن العشرين، ولكن عائلة كماسترا طلت الجدران باللون الزهري ولمّعت بلاط الأرضية. أما على جدران غرفة المعيشة فعلّقت إطاراً من الصور الفوتوغرافية الملتقطة في دمشق منذ 50 أو 60 عاماً.

بينها صورة لهيلين، تلك الفتاة التشيكية التي أحضرت قصتها الغرامية مع رجل في صقليا هذا الفرع من عائلة كماسترا إلى الوجود. وكذلك فعل والدا رينا، فاسيلي وفيكتوريا، اللذان أتيا من اليونان ولبنان ولطالما شعرا بأنهما جزء من التركيبة الدينية والعرقية في سوريا. عرف هؤلاء الأشخاص دول المتوسط كمكان مرن يسهل فيه الاختلاط، وتكثر فيها الزيجات والمعتقدات المختلطة. وأخبرتني رينا قائلةً: "عندما كنت شابة لم يكن هناك فارق كبير بين أوروبا وسوريا".

55df00a06.jpg
عائلة كماسترا تحضر القهوة التركية في شقتها في كاتانيا.

"عندما كنت شابة لم يكن هناك فارق كبير بين أوروبا وسوريا".

وإن كانت رينا تحمل ذكريات العائلة، فحفيدتها الكبرى فاتن هي من تحمل أملها. في دمشق، كانت قد أشرفت على الحصول على إجازة في القانون قبل أن تجبرها الحرب على التوقف عن الدراسة. تتعلّم فاتن، التي تجيد اللغتين الإنكيليزية والعربية، اللغة الإيطالية من الشوارع وتخطط للعودة إلى الجامعة. وفي الوقت نفسه، تعمل كمربية أطفال لدى عائلة إيطالية وتكسب المال الذي سرعان ما يتم إنفاقه على الإيجار.

سألتها عن شعورها بالعودة إلى المدينة التي تركتها جدة أبيها منذ أعوام طويلة، فقالت: "أشعر بالامتنان لهذه الرحلة التي قطعتها عائلتي. وأشعر بالامتنان لأنني أجيد التكلم باللغة العربية ولأنني أفهم الموسيقى والشعر باللغة العربية، فهذه القصة الطويلة، وهاتان البلدان المختلفتان، جعلتاني شخصاً أكثر تنوعاً".

55df01ce6.jpg
ألبيرتو وزوجته، منى يجلسان معاً في المنزل بينما يلعب أولادهما في غرفة المعيشة.