إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

الكفاءات السورية تنضم إلى تدفقات اللاجئين عبر أوروبا

قصص

الكفاءات السورية تنضم إلى تدفقات اللاجئين عبر أوروبا

أفاد موظفو المفوضية عن رؤية أعداد متزايدة من الأثرياء والمتعلمين السوريين يغادرون البلد.
29 سبتمبر 2015 متوفر أيضاً باللغات:
56090a276.jpg
لاجئون يصطفون لتسجيل أنفسهم لدى السلطات اليونانية قبل أن يشتروا تذاكر للسفينة التي ستقلهم إلى أثينا.

ميتيليني، اليونان، 28 سبتمبر/أيلول (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - إنها الصورة المثالية لعطلة في إحدى الجزر اليونانية. يتمتع رجل وحيد بقهوة الصباح على شرفة مشمسة لأحد الفنادق الذي يقع على التلة المطلة على بحر إيجه. ويلمع الساحل التركي في الأفق البعيد، فيما يسمع رنين أجراس قطيع من الماعز يمر بجانبه.

لكن هذا الرجل ليس سائحاً. إنه طبيب سوري من دمشق في منتصف العمر، قاد زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار إلى الأمان بعد رحلة شاقة.

وقال الطبيب بصوت منخفض مبحوح واغرورقت عيناه بالدموع: "كان الأمر صعباً جداً". وأضاف وهو يحبس دموعه ويرفع مرفقيه المجروحين اللذين تبدو الدماء عليهما من دون أن يوضح: "آسف! لقد وقعت". لا حاجة إلى التوضيح. فدموعه وجروحه الواضحة تتحدث عن ندوب عاطفية وجسدية أخرى غير ظاهرة وغير معلنة.

الطبيب وعائلته هم من بين حوالي 370,000 شخص، أكثر من 70 في المئة منهم لاجئون سوريون، قاموا حتى الآن في هذا العام بهذه الرحلة البحرية الخطيرة من تركيا إلى الجزر اليونانية على متن قوارب يوفرها المهربون. وتعتبر الغالبية أن هذه الرحلة هي آخر عقبة تهدد حياتهم يجب مواجهتها قبل الوصول إلى الأمان في أوروبا. وتوفي حوالي 100 شخص أو فقدوا في المياه اليونانية خلال العبور، وبينهم العديد من الأطفال.

وكالطبيب وعائلته، يصل معظم اللاجئين والمهاجرين إلى الشاطئ الشمالي لجزيرة ليسفوس بين مدينتي موليفوس وسكالا سكامنياس، في المنطقة حيث الجزء الأضيق من القناة التي تفصل اليونان عن تركيا. وعند الوصول إلى الشاطئ، يصعد الكثير من اللاجئين المتعبين والذين يشعرون بالارتياح على الرغم من ذلك، على متن الحافلات التي توفرها المفوضية للتوجه إلى عاصمة الجزيرة ميتيليني التي تبعد 70 كيلومتراً. وهناك تقوم السلطات بتحديدهم وتسجيلهم في المرافق التي تدعمها المفوضية قبل أن يتابعوا رحلتهم إلى البر الرئيسي اليوناني وأماكن أخرى. وتقوم المفوضية وشركاؤها بتحديد العائلات والأشخاص الضعفاء وتقدّم لهم المساعدة الخاصة.

وبينما كانوا ينتظرون لمتابعة رحلتهم من ميتيليني إلى أثينا، وجد الطبيب وزوجته وأطفالهما الثلاثة - فتاتان وصبي واحد يبلغون من العمر 8 و10 و 12 عاماً- فندقاً فانضموا إلى عدد قليل من العائلات السورية الأخرى التي تملك المال لدفع ثمن الغرفة. معظم اللاجئين غير قادرين على تحمل تكاليف هذه الكماليات. ولكن موظفي المفوضية قالوا إنهم يرون أعداداً متزايدة من السوريين الأثرياء والمثقفين يغادرون البلد. وتمكن بعضهم من إحضار ماله في حين أن الآخرين لم يتمكنوا من ذلك.

وفي مخيم سابق للأطفال بالقرب من مطار ميتيليني، يديره حالياً متطوعون باعتباره مأوى لطالبي اللجوء والعائلات والأشخاص الضعفاء، أمضى حمد* مع زوجته وابنيه الرضيعين الشهرين الماضيين في كوخ خشبي صغير بينما كانوا ينتظرون نتائج طلب لجوئهم إلى اليونان. ويعمل حمد الذي يبلغ من العمر 42 عاماً كمهندس إلكترونيات متخصص في تكنولوجيا الهواتف الخلوية. كان يملك ثلاثة متاجر للإلكترونيات في دمشق وخارجها فضلاً عن ثلاثة منازل من بينها منزل في البلد. كان يعيش حياة جيدة أما الآن فأصبح مع عائلته على حافة الفقر.

يقول حمد وهو يجلس أمام الكوخ الصغير والمرتب الذي زينوه بالأعلام والنباتات وحديقة نباتية: "جميع أموالنا في حساب في فرع دمشق التابع لأحد المصارف الدولية الذي يقع مقره في الخليج وتنتشر فروعه في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعندما غادرنا سوريا اعتقدت أننا سنتمكن من سحب مالنا من أي فرع من فروع المصرف باعتباره مصرفاً دولياً. ولكن عندما قمت بالمحاولة أخبروني أن الطريقة الوحيدة للحصول على مالي هي العودة إلى سوريا. أملك ثلاث بطاقات ائتمانية ولا أستطيع استخدام أي منها".

وأضاف وهو يضع معصميه بشكل متقاطع كما لو كان مكبل اليدين: "لا أدري ما قد يحصل إن عدت إلى دمشق". أما الآن فهو يعتمد على إحسان الآخرين. لكنه يتعهد بإيجاد عمل، أي عمل، عند حصوله على اللجوء في اليونان. وقال بأنه كان يتلقى المساعدة من الأقارب خارج سوريا. وأعطت الإقامة في الفندق الذي امتلأت شرفاته بملابس الكثير من اللاجئين القادمين الجدد التي عُلقت لتجف، العائلة بعض الوقت للارتياح من الضغط بعد الرحلة المروعة من سوريا.

كما هو الحال مع حمد وعائلته، استغرق الطبيب وزوجته أكثر من أربعة أعوام قبل اتخاذ القرار النهائي بمغادرة سوريا والبحث عن الأمان في مكان آخر، بعد تقييم للمخاطر يعرفه ملايين اللاجئين. فهل مخاطر البقاء في الوطن حالياً تفوق مخاطر الفرار عبر مناطق تشهد الصراع، واللجوء إلى مهربين عديمي الرحمة لعبور الحدود الدولية وإيجاد الأمان؟

بالنسبة للطبيب، أصبح الجواب واضحاً عندما نجت ابنته الصغرى بأعجوبة من صاروخ بينما كانت على متن حافلة بالقرب من منزلهم في دمشق. وقال: "لو تأخرت الحافلة دقيقة واحدة كنت خسرت ابنتي".

وقال الطبيب الذي يعمل والده وأشقاؤه كأطباء والذي غادر معظم أفراد عائلته وأصدقائه سوريا: "كنا نعيش حياة جيدة في سوريا لكن الوضع تغير اليوم. هناك الكثير من أعمال القتل والقتلى. ماذا كان علي أن أفعل؟ أن أنتظر تعرّض أحد أطفالي للقتل؟ عندها سيكون قد فات الأوان. كان علينا المغادرة حالاً."

فكر الطبيب بتأنٍ في خيارات المغادرة ولكنها كانت محدودة. وباعتباره فلسطينياً-سورياً، حاول الدخول بشكل قانوني إلى البلدان المجاورة والبقاء فيها لكنه لم يتمكن من ذلك. عندها قرر أن تفر العائلة من سوريا إلى تركيا وبعدها إلى أوروبا وأن تلجأ إلى المهربين عند الضرورة.

وقال واصفاً المهربين بأنهم "أشخاص سيئين جداً": "لا أحب التعامل مع المجرمين لكنها الطريقة الوحيدة أمامي".

سافرت العائلة شمالاً من دمشق عبر حمص وحماه نحو تركيا، ودفعوا على أحد الحواجز 500 دولار أميركي إلى الجنود للسماح لهم بعبور خط جبهة داخلية.

وعند الوصول إلى تركيا، قدّم المهربون ثلاثة خيارات للعائلة. وقال: "أخبروني أنه بإمكاننا الذهاب عن طريق البحر أو البر أو الجو مستخدمين جوازات سفر مزورة. أنا لست مجرماً ولا أريد أن اقوم بذلك. قررنا الذهاب عبر البحر إلى اليونان".

وبعد انتهاء أسوء مرحلة من رحلتهم، لا يزال أمام العائلة طريق طويل لإعادة بناء حياتها في بلد جديد -- ربما النرويج.

وقال الطبيب: "لم أكن أنوي مغادرة سوريا أبداً. لكن الأمور أخذت تسير من سيء إلى أسوأ حتى لم يعد أمامنا خيار آخر، وحالياً علينا البدء من جديد".

رون ريدمون، ميتيليني، اليونان